السُّؤْرُ بالضَّمّ : البَقِيّةُ من كلّ شيْءٍ والفَضْلَةُ . ومنه : سُؤْرُ الفَأْرِة وغَيْرِها والجمع أسْآرٌ . وأنشد يَعْقُوب في المَقْلُوب :
إنَّا لنَضْرِب جَعْفَراً بسُيُوفِنَا ... ضَرْبَ الغَرِيبَة تَرْكَبُ الآسَارَا أراد الأسْآر فقَلب ونَظِيرُه الآبارُ والآرامُ في جمع بِئْر ورِئم . وفي حديث الفَضْل بن عَبَّاس " لا أُوثِرُ بسُؤْرِك أحَداً " أَي لا أترُكه لأحدٍ غَيْرِي . وأَسأَرَ منه شَيْئاً : أبْقَاه وأفْضَله ويُستَعْمَل في الطَّعَام والشَّرَاب كسَأَر كمَنعَ . وفي الحَدِيث " إِذَا شَرِبتُم فأَسْئُروا " أَي أبْقُوا شَيْئاً من الشَّرَاب في قَعْر الإِناءِ . والفَاعِلُ منْهُمَا سَآرٌّ كشَدَّاد على غير قِياس . ورَوَى بعضُهُم بيتَ الأخطل هكذا :
وشارِبٍ مُرْبِحٍ بالكَأْسِ نادَمَنِي ... لا بالحَصُورِ ولا فيها بسَآرّ أي أنه لا يُسْئِر في الإناءِ سُؤْراً بل يَشْتَفُّه كُلَّه والرِّواية المشهورة : بسَوَّار بمُعَرْبِد وَثَّابٍ كما سيأتي . والقِيَاسُ مُسْئِرٌ قال الجوهَرِيُّ : ونظيره أجبَرَه فهو جَبَّار . ويَجُوزُ أَي القياسُ بناءً على أنه لا يُتَوقَّف على السَّمَاع . قال شيخُنَا : والصواب خِلافُه لَأن الأصحّ في غيرِ المَقِيس أنه لا يُقَال ويُقدّم على القياس فيه إلاّ إِذَا لم يُسْمَع فيه ما يَقُوم مَقَامَه خلافاً لبعض الكوفيّين الذين يُجوزِّون مطلقاً والله أعلم . وفي التَّهْذِيب : ويَجوز أَن يكون سَآرّ من سأْرت ومن أَسأَرْت كأَنَّه رُدَّ في الأَصل كما قالوا : دَرَّاك من أدْرَكْت وجَبَّار من أجْبَرْت . ومن المَجَاز : فيه سُؤْرَةٌ أَي بَقِيَّةٌ من شَبَابٍ . في الأَساس : يقال ذلك للمرْأَةِ التي جاوَزَت الشَّبَابَ ولم يُهرِّمها الكِبَر . وفي كتاب اللَّيْث : يقال : ذلك للمرأَة التي قد جَاوَزَتْ عُنْفُوانَ شَبَابِها قال : ومنه قَولُ حميد بن ثَوْرٍ الهلالّيِ :
إزاءُ مَعَاشٍ مَا يُحَلُّ إزارُها ... من الكَيْس فيها سُؤْرةٌ وهي قاعدُ
أراد بقوله : " قاعد " قُعودها عن الحَيْض لأنّها أسنَّتْ فقَول المصنّف فيه بتذْكِير الضمير مَحَلُّ تأَمُّل . ومن المَجاز : هذِه سُوْرَةٌ من القُرْآنِ وسُؤَرٌ منه أَي بَقِيّة منه وقِطْعَةٌ لُغَةٌ في سُورَة بالواو وقيل : هو مأْخوذٌ من سُؤْرَة المالِ : جَيِّدُه تُرِكَ هَمْزُهَا لمَّا كَثُر الاستِعْمَالُ . وفي التَّهْذِيب : وأمّا قَوله : وسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ فإنَّ أهلَ اللُّغَةِ اتَّفَقُوا على أَن معنَى سَائرِ في أمْثَالِ هذا الموضِع بمَعْنَى الباقِي من قَولك أسَأَرتُ سُؤْراً وسُؤْرَةً إِذَا أَفْضلْتَها وأبقَيتَها والسائِرُ : الباقِي وكأنَّه من سَأَر يَسْأَر فهو سَائِر . قال ابنُ الأَعرابيِّ فيما رَوَى عنه أبو العبّاس : يقال سَأَر وأَسْأَر إِذَا أفْضَلَ فهو سائِرٌ . جَعَلَ سَأَرَ وأَسْأَر واقِعَيْنِ ثم قال : وهو سائِرٌ قال : قال : فلا أَدرِي أرادَ بالسّائِر المُسِئرَ لا الجَميعُ كما تَوهَّمَه جماعاتٌ اعتماداً على قَولِ الحريريّ في : " درة الغواص في أوْهَام الخواصّ " . وفي الحَدِيث " فَضْلُ عائِشَة على النِّسَاءِ كفَضْلِ الثَّرِيدِ على سائرِ الطَّعام " أَي باقيه . قال ابن الأثير : والناسُ يَسْتعملونه في معنَى الجَمِيع وليس بصَحِيح وتَكَرَّرَت هذه اللفظو في الحَدِيث وكله بمعنَى باقِي الشيْءِ والباقِي : الفاضِلُ وهذه العبارة مأْخوذة من التَّكْمِلة . ونصّها : سائِرُ النَّاس : بَقِيَّتُهُم وليس معناه جماعَتَهم كما زَعَم من قَصُرَت معرفَتُه انتهى أو قد يُسْتَعْمَل لَهُ إشارَة إلى أَن في السّائِر قَوْلَيْنِ : الأوّل وهو قول الجمهور من أئمّة اللُّغَة وأرباب الاشتقاق أنه بمعنَى الباقِي ولا نِزاعَ فيه بينهم واشتقاقُه من السُّؤْر وهو البَقِيّة . والثاني أَنه بمعنَى الجَمِيع وقد أثبتهَ جماعةٌ وصَوَّبوه وإليه ذَهَب الجوهريّ والجواليقيّ وحقَّقه ابن بَرِّيّ في حواشي الدُّرَّة وأَنشد عليه شَواهِدَ كثيرةً وأَدِلَّة ظاهِرَةً وانتَصر لهم الشيخُ النَّوَوِيّ في مواضِعَ من مُصنَّفاته . وسَبَقَهم إِمامُ العربيّة أبو عَلِيٍّ الفارِسِيّ ونقلَه بعضٌ عن تلميذِه ابنِ جِنِّي . واختلفوا في الاشتقاق فقيل : من السَّيْر وهو مَذْهبُ الجوهريّ والفارسيّ ومَن وَافقهما أو من السُّور المحيطِ بالبلَد كما قاله آخَرون . ولا تناقُضَ في كلامِ المُصَنِّف ولا تَنَافِيَ . كما زَعَمَه بعضُ المُحَشِّينَ وأَشار له شَيخُنا في شَرْحه وأَوسَعَ القَوْلَ فيه في شَرْحِه على دُرَّة الغَوَّاص فَرَحِمه اللّه تعالى وجزَاه عنّا خَيِراً . ثم إِنّ المصنِّف ذكر للقَوْل الثَّانِي شاهِداً ومَثَلَيْن كالمُنْتَصِر له فقال ومنهُ قول الأَحْوصِ الشاعر :
فجَلَتهَا لنا لُبَابَةُ لَمَّا ... وَقَذَ النَّوْمُ سائِرَ الحُرَّاِس وكذا قول الشاعر :
أُلْزَِ العَالَمونَ حُبَّك طُرّاً ... فهْوَ فَرْضٌ في سائِر الأَدْيَانِفالسائِر فيهما بمعنَى الجَمِيعِ . ومن الغَرِيب ما نقلَه شيخُنَا عن السَّيِّدِ في شَرْح السّقط أَنه زعم أَن النّحويّين اشترَطوا في سائِر أَنها لا تُضَاف إِلاّ إِلى شيْءٍ قد تقدَّم ذِكرُ بَعْضِه نحو : رأَيْتُ فَرَسَكَ وسائرَ الخَيْل : دونَ رَأَيْت حِمَارَك لعدَم تَقدُّم ما يَدُلّ على الخَيْل . وضَافَ أَعرابِيٌّ قَوْماً فأَمَرُوا الجارِيَةَ بتطْيِيبه فقال " بَطْنِي عَطِّرِي وسائِرِي ذَرِي " وهو من أَمثالهم المشهورة ومعنَى سائِري أَي جَميعي . ومن المَجَاز : أُغِيرَ على قَوْمٍ فاستَصْرَخُوا بَنِي عَمِّهم أَي استَنْصَرُوهم فأَبْطَؤُوا عنهم حتَّى أُسِرُوا وأُخِذُوا وذُهِبَ بِهِم ثم جَاؤُوا أَي بَنُو العَمّ يَسْأَلُونَ عَنْهُمْ فقال لهم المسؤول هذا القَوْلَ الذي ذَهَبَ مثلاً : " أَسائِرَ اليَوْمِ وقد زالَ الظُّهْرُ . قال الزَّمَخْشَرِىّ : يُضْرَبُ لِمَا يُرْجَى نَيْلَه وفَاتَ وَقْتُه أَي أَتَطْعَمُون فيما بَعُدَ وقد تَبَيَّنَ لكم اليأْسُ لأَنَّ مَنْ كانَتْ حاجَتُه اليومَ بأَسْرِهِ وقد زالَ الظُّهْرُ وَجَبَ أَن يَيْأَسَ كما يَيْأَسُ منها بالغُرُوبِ . وذَكَره الجَوْهَرِيّ مَبْسُوطاً في " سير " . وسَئِرَ كفَرِحَ : بَقِيَ وأَسأَرَ : أَبْقَى . وسُؤْرُ الأَسَدِ هو أَبو خَبِيئَةَ مُحَمَّد بن خَالِدٍ الكُوفِيُّ عن أَنَسٍ وعنه الثَّوْرِيّ لأَنَّ الأَسَدَ افْتَرَسَه فَتَرَكَه حَيّاً فلُقِّب بذلك وهو مَجَاز . وكذلك قولهم : هذِه سُؤْرَةُ الصَّقْرِ لِمَا يَبْقَى من لحمته . وتَسَاءَر كتَقَابل - وفي التَّكْمِلة كتَقَبَّل : شَرِبَ سُؤْرَ النَّبِيذِ وبَقايَاه عن اللِّحْيَانيّ
وممّا يستدرك عليه : سُؤْرَةُ المالِ : جَيِّدُه . وأَسْأَرَ الحاسِبُ : أَفضَلَ ولم يَسْتَقْصِ وهو مَجَاز . وفي الصّحاح : يقال في السّائرِ : سارٌ أيضاً . وأَنشدَ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ يَصِف ظَبْيةً :
فسَوَّدَ ماءُ المَرْدِ فَاهَا فلَوْنُه ... كلَوْنِ النَّؤُورِ وَهْيَ أَدْماءُ سَارُها قال : أَي سائِرُهَا . واستدرك شيخُنا : سُؤْر الذِّئْب قال : وهو شاعرٌ مَشْهُورٌ